المدونة
العيش مع التوتر
نمُرُّ على مدار العشرين شهرًا الماضية في فتراتٍ صعبةٍ وقاسيةٍ، بحيث نعيش تحت مستويات عالية من التوتّر، وسط انعدام اليقين والاستقرار، وبمرافقة مشاعر من اليأس والعجز، الإحباط والقلق، وضبابيّة حول ما يخبّئه المستقبل لنا. نشعر بالتوتّر، بالتعب، بالانفعال، بالقلق والغضب. بدأنا في تطويرعادات سيئة مثل الإفراط في التّدخين, قلّة النوم، الالتصاق بالشاشات، و تناول الطعام بشكل مُفرط. بعضُنا بدأ يعاني من مشاكل صحية، مثل اضطرابات في الهضم، مشكلات في القلب، أو الإصابة بالأمراض بشكل متكرر.
إلى جانب كل ذلك، يُتوقع منّا أن نواصل حياتنا اليومية بشكل معتاد, أن نقوم بممارسة مهامنا اليوميّة، وأن نواصل العمل، وتربية الأطفال والاهتمام بأحبائنا. فكيف نتمكّن من القيام بذلك؟ كيف نقوم بالعمل بشكلٍ طبيعي، في حين أنّ حياتنا بعيدةً كلّ البُعد عن أن تكون طبيعية؟
على ما يبدو فإنّ التعايش مع مستويات مرتفعة ومتواصلة من التوتّر, قد أصبح "الاعتيادي الجديد" وعلينا أن نتعلّم كيفية التعامل معه, وإدارته. لذا دعونا نتعلّم ما هو التوتر، ما هي أعراضه، وتأثيراته، وتعلّم الطرق التي من شأنها أن تُمكنّنا من التأقلم معه.
أنواع التوتر الثلاثة
التوتّر هو ما يشعر به جسمنا عندما نواجه تحدّيًا أو تغييرًا يُعتَبر كتهديد. فهو يُفعّل ردّة فعل الجسم " المواجهة أو الهرب" بهدف مساعدتنا على النجاة, إمّا من خلال التصدّي للخطر أو الهروب من أجل الحصول على الأمان. التوتّر هو أمرٌ طبيعي، بل وضروري أحيانًا، ولكنه يصبح مؤذٍ حين يستمر لفترات طويلة. ووفقًا لمركز كليفلاند كلينك الطبي المعروف والموثوق، هناك ثلاثة أنواع رئيسيّة للتوتّر: التوتّر الحاد، والتوتّر الحاد المتكرّر، والتوتّر المزمن.
التوتّر الحاد هو توتّر قصير المدى, والذي من الممكن أن يكون إمّا إيجابيًا أو سلبيًا. تتسبّب به مواقف الحياة اليوميّة مثل الجدالات العائليّة، المنافسة في تحدٍ ما أو موعد نهائي لتسليم مهمّة في العمل. هذا النوع من التوتّر يُمكّننا من أن نكون أكثر يقظة ووعيًا لوضعنا، الأمر الذي من الممكن أن يحفّزنا لإبداء ردّة فعل عند الحاجة. على سبيل المثال، التوتّر الناجم عن تقديم معروضة في العمل, قد يدفعنا لأن نجهّز أنفسنا بشكل أفضل، وبالتالي للأداء بصورة أفضل.
التوتّر الحاد المتكرّر يتكوّن حين نتعرّض للتوتّر الحاد لفترات متقاربة, دون أن تكون لدينا فرصة للتعافي والاسترخاء. مثلاً, الأشخاص الذين يعملون في مهن تحت ضغط مرتفع مثل مجال الصحّة, فإنهم قد يعيشون في حالة توتّر دائمة، وذلك لتعاملهم مع حالات طوارئ بشكل مستمر. مع مرور الوقت, يُرهق هذا الأمر الجسد والعقل. تذكّروا أنه من الضروري أن نمنح أجسامنا فرصة للعودة إلى حالة الهدوء,عند التعرّض للتوتّر لكي نتجنب اضراره.
أمّا التوتّر المزمن فيحدث عندما نعيش في توتّرٍمستمر لفترة طويلة – أسابيع أو شهور – بسبب معضلةٍ ما، مثل المشكلات الزوجيّة أو الماديّة أو الصحيّة. التعرّض طويل الأمد للتوتّر يُنهك الجسم، ويزيد من خطورة التعرّض للإصابة بالأمراض، ومن الممكن أن يؤثّر على الصحة الجسديّة والنفسيّة على حدٍ سواء. لذلك فمن المهم أن نستطيع التعرّف على التوتّر الحاد المتكرر والتوتّر المزمن، من أجل أن نتعلّم كيفيّة التعامل معهما والحد من تأثيراتهما السلبية.
أعراض التوتّر
يؤثر علينا التوتّر المتواصل من النّاحية الجسديّة والعقليّة والسلوكيّة. ممكن ان تشمل الأعراض الجسديّة: التعب، ضعف المناعة، مشاكل في الهضم، صعوبة في التنفس ومشاكل في القلب. أما الأعراض العقليّة والعاطفية، فقد تظهرعلى شكل ضعف في الذّاكرة، صعوبة في التركيز، الخوف, الحزن، العصبيّة، وحتّى نوبات هلع أو اكتئاب. أما الأعراض السلوكيّة، فتشمل غالبًا آليّات مواجهة غير صحيّة، مثل التدخين، شرب الكحول، المقامرة، أو اضطرابات الأكل; نعمل على تطوير هذه
العادات من أجل محاولة التأقلم مع التوتّر, بحيث بإمكانها إعطائنا شعور مؤقت بالراحة, إلا أنها في الحقيقة تتسبّب في زيادة التوتّر والإضرار بصحتنا على المدى البعيد.
طرق للتّخفيف من التوتّر
لحسن الحظ، فإن هنالك طرق بسيطة وعمليّة تُمكّننا من إدارة التوتّر. على الرّغم من أنها لا تزيل مسببات التوتّر، إلا أنها تساهم في تخفيفه وفي تقليل آثاره السلبيّة.
ممارسة اليقظة الذهنيّة والتنفس (Mindfulness)
يُعتبر الوعي والحضور الذهني الآني, طريقة ناجعة لتهدئة الجهاز العصبي ولتقليل التوتّر. تساعدنا تمارين التنفّس على التركيز على جسمنا في اللحظة الحاليّة، وعلى خفض مستوى الكورتيزول، وتهدئة الجهاز العصبي.
قوموا بأخذ نفس عميق من البطن: شهيق لأربع ثوان، حبس النفس لأربع، ثم زفير لست ثوان. ممارسة هذا التمرين من 3 إلى 5 دقائق بإمكانه أن يساعدنا عند الشعور بالتوتّر. حوّلوا ذلك لعادة صباحيّة كل يوم, ولاحظوا الفرق.
تحريك الجسم
تعمل ممارسة التمارين الرياضيّة على التقليل مستوى الكورتيزول (هرمون التوتّر) في الجسم، وعلى زيادة إفراز الإندورفين، الأمر الذي يُحسّن من المزاج. ليس هنالك حاجة لأن تكون التمارين مُكثّفة، فحتى المشي لمدة 20 دقيقة له أثر إيجابي. إذا شعرتم بالتوتّر، قوموا بالمشي مع التّركيز على أخذ أنفاس عميقة, وراقبوا كيف تشعرون عند ذلك.
تحسين عادات النوم
يرتبط التوتّر وقلّة النوم بعلاقة مطرديّة. واظبوا على الخلود للنّوم في نفس الساعة يومياً, امتنعوا عن استخدام الشاشات ما قبل النوم بساعة، ومن أجل الحصول على نوم هادئ قوموا بتدوين يومياتكم لتصفية الذهن والأفكار. النوم الجيّد ضروري للتعافي وللحفاظ على الحصانة.
تغذية سليمة للجسم
التوتّر المزمن يستنزف عناصر غذائية أساسيّة مثل المغنيسيوم، وفيتامين C، وأوميغا 3. حافظوا على تناول طعام متوازن غنيّ بالخضراوات الورقيّة، والمكسّرات، والتوت والأسماك من أجل تدعيم صحة الدماغ والمزاج. لا تستخفّوا بقوّة تأثير التغذيّة السليمة، فهي وقود للعقل والجسم.
تدوين اليوميّات
يعمل تدوين الأفكار على تنشيط قشرة الدماغ الأماميّة، ويساعد على استيعاب وتحليل المشاعر. الدكتور دانيال سيغل، باحث وأخصائي علم النفس ، يشير إلى أن التدوين يساعدنا على تنظيم مشاعرنا. عندما تشعرون بالأرق، اكتبوا أفكاركم ومشاعركم. كلّما قمتم بذلك أكثر، ستشعرون بتحسن أكبر. جرّبوها!
وضع العلاقات الاجتماعيّة في سلّم الأولويات
يّؤدي التفاعل الاجتماعي الإيجابي لإفراز هرمون الأوكسيتوسين، الذي يقلّل من التوتّر، ويعزّز بناء العلاقات والثقة – الأمر الذي نحتاجه من أجل الحفاظ على توازننا وصحتنا. اقضوا وقتًا مع الأشخاص الذين تشعرون معهم بالأمان والدعم. خصّصوا وقتًا للأحبّاء, للعائلة وللأصدقاء؛ فإنّ هذه الروابط ضروريّة لصحتنا النفسيّة.
وفي النهاية تذكّروا, أنه بإمكان تغييرٍ صغير لكن منتظم بأن يُحدث فرقاً كبيراً. اختاروا بعض التقنيّات وأضيفوها بشكل تدريجي لروتينكم اليوميّ الجديد. إذا شعرتم في مرحلة معيّنة بأن لا شيء يُجدي نفعًا، وأنكم غارقون في التوتّر، فمن المهم التوجّه لطلب المساعدة المهنيّة.
أحياناً لا نكون قادرين على تغيير ظروفنا، خاصةً في أوقاتنا هذه. ولكن عندما نعلم كيفيّة تمييز علامات التوتّر, واتخاذ الخطوات اللازمة لإدارته، فعندها نصبح أكثر قدرة على التأقلم والتعامل مع الأوقات الصعبة.
بإخلاص،
رشا عفيفي-تلّي
مدرّبة إداريين
CPCC, ACC, ORSC